الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتغلب على الخوف الشديد عند النوم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا أعرف من أين أبدأ، فلديَّ مشكلة كبيرة، أنا أخاف كثيراً لدرجة يخيل لي أني أرى خيالات، أو أسمع أصواتاً، خصوصاً عند اقتراب الليل، إلى درجة أني تخليت عن النوم في فراشي، لأنني عندما أنام فيه تتسارع دقات قلبي وأرتجف وأبكي، لا أستطيع النوم من غير ضوء، وأرى نفسي وكأني جثة هامدة، أخاف من الموت.

أيضاً أعاني من وخزات كثيرة، وألم في القلب، ومغص شديد، الطبيب يقول: إني لا أعاني من شيء، وكذلك أعاني من وسوسة في الصلاة، وكأن أحداً يقف ورائي، أرجوكم ساعدوني، أكاد أجن.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمن الواضح أنك تعانين من مخاوف حادة، وليس لديك القدرة على النوم في الظلام، ومن الواضح أيضاً أنك مررت بحالة نسميها بالاضطراب الفزعي، أو نوبات الهرع والرهاب، والتي تتسم بتسارع شديد في ضربات القلب، مع شعور بالقلق والخوف، وهي لا شك أنها حالة نفسية، وتشخص مثل هذه الحالات تحت أمراض القلق النفسي، إذن تشخيص الحالة هو: أنك تعانين من قلق المخاوف، والوساوس التي تعانين منها في الصلاة هي عرض جانبي من أعراض القلق أيضاً.

أرجو أن تجلسي مع نفسك جلسة نفسية هادئة، وتسألي نفسك سؤالاً أساسياً وهو: (لماذا كل هذا الخوف؟ لماذا لا أكون مثل الآخرين؟) وبشيء من التركيز والاسترسال، وإخضاع الأمور للمنطق، سوف تصلين -إن شاء الله- إلى خلاصة وهي: أن هذا الخوف الذي يأتيك لا يستحق كل هذا الاهتمام، ويجب أن يتم تجاهله وعدم الاستجابة له، وهذا نسميه بالإقناع الداخلي، الذي يجعل الإنسان مرتبطاً بالواقع، أي يتوصّل الإنسان فيه إلى حقيقة هامة، وهي أن هذه الحالة أو هذا النوع من القلق يجب أن يتم تجاهله.

الأمر الثاني هو: أن تعرضي نفسك لهذه المواقف بالتدريج، لا تبعدي نفسك أبداً من المواجهات أيّاً كان نوعها، وأنصحك بأن تنامي في غرفة تكون خافتة الإضاءة، ومن ثم وبعد انقضاء أربع أو خمس ليال، حاولي إطفاء الإضاءة لفترة خمس دقائق، ثم بعد ذلك إرجاع الإضاءة لفترة خمس دقائق أخرى، وهكذا إطفاؤها مرة أخرى، وهذا نسميه بالتعرض لمصدر الخوف بالتدرج، وهو تمرين بسيط ولكنه ذو فائدة علمية كبيرة جدّاً، وهذا المبدأ -أي مبدأ العلاج السلوكي الذي يقوم بالتعرض مع منع الاستجابة- يجب أن يُطبق في جميع أنواع الخوف الذي تعانين منه.

الأعراض الجسدية من شعور بالمغص والنغزات في الجسم، هي أيضاً تعبير جسدي عن وجود القلق النفسي، وليست دليلاً مطلقاً على وجود أي مرض عضوي.

ثالثاً: من العلاجات الجيدة والممتازة لحالتك هو ممارسة تمارين الاسترخاء، وهذه التمارين كثيرة جدّاً ومتعددة، وإذا استطعت التواصل مع أخصائية نفسية، لتقوم بتدريبك على هذه التمارين، سوف يكون أمراً جيداً ومفيداً، وإذا كانت هنالك صعوبة في التواصل مع أخصائية نفسية، يمكنك أن تتبعي الخطوات التالية لتطبيق هذه التمارين:

1- الاستلقاء على سرير مريح في غرفة هادئة.
2- إغماض عينيك وفتح فمك قليلاً.
3- فكري في حدث طيب وسعيد.
4- قومي بأخذ نفس عميق وبطيء عن طريق الأنف، والهدف هو أن يمتلئ صدرك بالهواء.
5- أمسكي الهواء في صدرك قليلاً، ثم أخرجيه عن طريق الفم، ويجب أن يكون إخراجه أيضاً بقوة وبطء شديد، وهذا مهم جدّاً.

كرري هذا التمرين خمس مرات متتالية، بمعدل مرة في الصباح، ومرة في المساء لمدة ثلاثة أسابيع، ثم مرة واحدة يومياً لمدة أسبوعين أو ثلاثة أيضاً، وهنالك عدة تمارين استرخاء أخرى، فيمكنك أيضاً أن تتحصلي على كتيب، أو شريط ليوضح لك طرق الاسترخاء الأخرى.

من أهم ما يزيل القلق أيضاً، أن يوجه الإنسان طاقاته توجيهاً إيجابياً؛ لأن القلق في حقيقة الأمر هو طاقة، والطاقة يمكن أن تكون إيجابية جدّاً، لأنه يزيد من فعالية الإنسان، ومن دافعيته نحو الإنجاز، إذن هو محفز، ولكن حين يتراكم، أو لا يوجه التوجيه الصحيح، يؤدي إلى احتقانات نفسية تأتي بنتائج عكسية -كما حدث لك الآن- فكثفي من نشاطاتك الاجتماعية، أكثري من الاطلاع، مارسي الرياضة، عليك بالصحبة الطيبة الخيرة، وتطوير المهارات الاجتماعية، كوني حريصة على أداء صلواتك في وقتها، وعليك بتلاوة القرآن، والدعاء والذكر، ويا حبذا لو قمت بتكوين مجموعة لتحفيظ القرآن مثلاً، هذا كله يؤدي إلى تطوير المهارة الاجتماعية، ويرفع من الكفاءة النفسية للإنسان، وسوف تجدين -إن شاء الله- القدوة الحسنة الطيبة، التي تجعلك تشعرين بأن هذا الخوف الذي تعانين منه يجب أن يحقَّر، ويجب أن لا يُهتم به أبداً.

الخطوة الأخيرة في العلاج هي: أن أصف لك أحد الأدوية، المشهود لها بالكفاءة في علاج الخوف والرهاب، وكذلك الوساوس، الدواء يعرف تجارياً باسم (سبرالكس Cipralex)، ويعرف علمياً باسم (استالوبرام Escitalopram)، أرجو أن تحصلي عليه وتبدئي في تناوله بجرعة عشرة مليجرام يومياً، يفضل تناوله في المساء بعد الأكل، استمري عليها لمدة شهرين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى عشرين مليجراماً يومياً، واستمري عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى عشرة مليجرام يومياً لمدة ستة أشهر، ثم إلى خمسة مليجرام -أي نصف حبة من الفئة الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام- تناوليها يومياً لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء، وهذا الدواء من الأدوية الطيبة والفعالة، والمريحة للنفس، والمزيلة للوساوس والقلق والاكتئاب.

نسأل الله لك العافية والشفاء، ونشكرك كثيراً على التواصل مع استشارات إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً