الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتعبني الخوف من كل شيء، والتأثر بكل كلمة، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت إنسانًا عاديًا، ليس عندي أي مشكلة، ولكن حصل لي ظرف، وشعرت بخوف من أن يحدث لي شيء، وصرت أراقب نفسي، وزاد عندي القلق من كل شيء، وصرت أتوقع الخطر، وأنا أعلم أن هذا قلق نفسي يميل للكآبة.

بعد الذهاب للطبيب النفسي أعطاني علاج سبرالكس، وبعد تناوله لمدة شهر، بمعدل حبة 10 ملغ، قابلت شخصًا، وحكى لي حالة شخص يأخذ أدويةً نفسيةً، وأنها أتعبته، فخفّت، وتركت الدواء، مع أنه سبب لي تأخرًا بسيطًا في القذف، ولا يسبب لي خفقانًا، أو تعرقًا زائدًا، وأنا أحاول مواجهة مصادر الخوف، ولكن أجد فيه شيئًا يجذبني نحو الأمان، وشيئًا يقول لي: لا تفعل، ولو فعلت، وحصل كذا، ستتعب، ولن تتحمل.

حاليًا أحاول تصغير الأمور، وتحقيرها، وأحاول مخاطبة نفسي: بأنك عبد مملوك لله، وكل الناس في خطر، المسلم والكافر، ولكن لعلمهم أنهم إذا التفتوا إلى هذا الخطر فسوف يقفون مكتوفي الأيدي، ولكن علي العمل مع كل المخاطر، فأنا مؤمن، ولست كافرًا، والأمر كله لله.

ولكن الذي يتعبني كثيرًا هو العاطفة الزائدة، وسرعة التأثر؛ فالكلمة البسيطة تسعدني، وكلمة بسيطة أخرى تحزنني، وخاصةً من بعض الأشخاص المقربين.

أنا شخص غير مرتب، بحكم أني غير مرتبط بدوام رسمي، وكلما حاولت أن أرتب نفسي، فإني ألتزم فترةً ثم أغير، فهل السبرالكس علاج نافع لحالتي؟ أشعر أني بحاجة لضبط نفسي، وغير محتاج لعلاج، ولكن عجزي أمام إلزام نفسي بتنظيم أوقاتي أتعبني.

وشكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإن حالتك كما وصفت هي نوبة من القلق، والخوف المفاجئ، ومن الواضح أنها كانت نوبة هرع، أو ما نسميه بالاضطراب الفزعي، ولكنها -والحمد لله تعالى- من النوع الخفيف، والنوع البسيط، ويعتبر علاج سبرالكس من أفضل الأدوية التي تعالج مثل هذه الحالة، وأنا أقول لك: ابدأ في تناول الدواء مباشرةً، وأنت لست في حاجة للجرعة الكبيرة، وهي عشرين مليجرامًا.

أعتقد أن حالتك سوف يتم التحكم فيها بصورة كاملة بجرعة عشرة مليجرامات فقط، ويمكنك أن تبدأ بتناول خمسة مليجرامات يوميًا، لمدة ستة أيام، ويفضل تناول الدواء بعد الأكل، وبعد ذلك ارفع الجرعة إلى عشرة مليجرامات، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى خمسة مليجرامات يوميًا لمدة شهر، ثم إلى خمسة مليجرامات يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين.

وقد كانت استجابتك في الماضي طيبة للسبرالكس، وهذه المرة أيضًا سوف تكون ممتازةً جدًا، والدواء حقيقةً من الأدوية السليمة، والممتازة، وغير الإدمانية، وهذا الأثر الجانبي البسيط –وهو التأخر في القذف الذي حدث لك– أعتقد أنه سوف يتلاشى تمامًا، مع استمرارك في تناول الدواء.

أنصحك بالعلاج الدوائي؛ لأني أعرف أنك قد عانيت مسبقًا من هذه الحالة، وكانت استجابتك جيدة للدواء، وبجانب تناول الدواء عليك بالطبع بأن تقوم بإجراء هذه الحوارات الداخلية، ومخاطبة النفس، وتحقير فكرة القلق، وبناء ثقة، وصورة إيجابية عن الذات، وهذا كله جيد، وممتاز جدًا، ولكنني لا أريدك أن تسترسل في تفسير الأمور؛ فلا تكن مدققًا، ولا تبني فكرةً على فكرة، وتحلل ثم تعيد التحليل؛ فهذا قد يدخل الإنسان في دائرة الوساوس.

خذ الأمور بصورة أبسط؛ فهذا مجرد قلق نفسي بسيط، وليس هنالك ما يدعوك للقلق، وحاول أن توجه طاقاتك هذه بصورة أكثر إيجابية ونفع بالنسبة لك.

أما بالنسبة لتنظيم الوقت: فأنت تعرف أن إدارة الوقت هي أحد الفنون المفيدة جدًا، وهو أمر ليس بالصعب، فيجب أن نستشعر قيمة الوقت، وهذا مهم.

وثانيًا: تأمل، وتفكر، وتذكر أن الواجبات أكثر من الأوقات، فإن هنالك بعض الناس من يتمنى لو أن اليوم كان 36 ساعةً مثلاً، وذلك نسبةً لكثرة واجباته، ولنفعه لنفسه وللآخرين، فيجب أن تضع نصب عينيك أن الاستفادة من الوقت مهمة، والمسلم لديه الكثير الذي يمكن أن يقوم به.

وأنا أقول لك -أخي الكريم-: وحتى على النطاق الشخصي أفضل طريقة لتنظيم الوقت هو: أن تجعل الأعمدة، أو نقاط الارتكاز التي تنطلق منها في إدارة الوقت هي: (الصلوات الخمس)، وهذا شيء مفيد جدًا، فقل لنفسك مثلاً: (سوف أقوم بفعل كذا وكذا قبل الصلاة، وسوف أقوم بفعل كذا وكذا بعد الصلاة، وسوف أذهب وأصلي –مثلاً– مع أخي فلان)، وهكذا، وستكون بذلك قد وضعت خمس ركائز، هذه الخمس إذا قمت بفعل عمل ما قبلها، وعمل آخر بعدها، تكون قد أديت عشرة من الواجبات، وهذه طريقة بسيطة، ومفيدة جدًا.

ويجب أن تضيف إلى جدولك اليومي: ممارسة الرياضة، لمدة ساعة، أو 45 دقيقةً، وهذا شيء جميل جدًا، وكن دائمًا لديك برنامج محبب ومفيد، تقضي فيه بعض الوقت، أو اجعل لك كتابًا تقرأ فيه، أو انضم إلى أحد حلقات القرآن، وابحث عن عمل، وطور نفسك، وهذه كلها طرق جيدة جدًا لإدارة الوقت، وعليك أيضًا بالصحبة النافعة، صحبة الخيرين الجادين، التفاعليين، يجد الإنسان فيهم خيرًا كثيرًا جدًا في الدنيا والآخرة.

بالنسبة لزيادة العاطفة: فلا تنزعج لهذا الأمر، فإذا كنت شخصًا زائد العاطفة، فهذه رحمة، ويجب أن تنظر لها كذلك؛ فالقلوب الرحيمة أفضل كثيرًا من القلوب القاسية، ولكن في ذات الوقت حاول أيضًا أن تقلب الأمور، وتزنها بميزان العقل، وحاول أن تعبر عن ذاتك؛ لأن التعبير عن النفس، دائمًا يُبعد الإنسان عن الاحتقانات النفسية الداخلية، والتقلبات العاطفية، والتقلبات المزاجية.

وختامًا: نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وحالتك بسيطة جدًا، وقد وجدتُ أن رسالتك مفيدة جدًا، وأسأل الله أن ينفعك بما ذكرناه لك فيها من إيجاب وإرشاد.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً