الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج نوبات الاضطراب الفزعي المتعلق بالأحلام المزعجة

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

منذ حوالي شهرين، مررت بحالة غريبة، تمثلت في شعور شديد بالموت، وخوف مستمر، فقدتُ لذة الحياة، وظهرت عليَّ أعراض جسدية، مثل ضيق التنفس، وسرعة ضربات القلب، والشعور كأن الروح تنسحب من جسدي، بالإضافة إلى صعوبة في التنفس، وثقل في القدمين، وفقدان الشهية، ولم أعد أستمتع بالأشياء التي كانت تسعدني سابقًا، وأحسست أني أعيش في عالم غريب ومظلم.

كنت أفسر كل شيء على أنني سأموت قريبًا، ولن أستطيع فعل شيء، أو شراء أي شيء، بسبب هذا الإحساس القوي بالموت، وشعرت بضياع وفقدان للذاكرة، وعدم القدرة على التفكير في أي شيء، حتى التفكير في الغد كان صعبًا، وكأن ذهني ممسوح تمامًا، عندما كنت أقوم بأي عمل، كنت أشعر وكأنه استغرق وقتًا طويلاً جدًّا، بينما في الواقع لم يكن يتعدى بضع دقائق.

أجريت فحوصات طبية، وكانت جميع النتائج سليمة -الحمد لله-، ومع مرور الأيام بدأتُ أشعر بأشياء غريبة في جسدي، مثل وخز في صدري، وألم وتنميل في الساق، بالإضافة إلى ذلك، كنت أعاني من أحلام مزعجة، مثل رؤية ثعابين وكلاب سوداء.

ذهبت إلى طبيب نفسي، ووصف لي بعض الأدوية منذ شهر، ولكنني لم أشعر بأي تحسُّن حتى الآن، ولا أعرف ما الذي أعاني منه تحديدًا.

مع العلم أنني رأيتُ جدِّي المتوفى في صورة حقيقية، جالسًا بجواري على السرير، كأنه شخص حي، وفي صورة حقيقية وليس حلمًا، وهذا الأمر أقلقني كثيرًا، ومنذ ذلك الوقت وأنا أشعر بتعب شديد، وزاد خوفي وقلقي.

أرجو توضيح سبب هذه الأعراض، لأنني قلقة وخائفة، ولا أنام إلَّا عند طلوع الصباح، وفي كل وقتٍ، أو عند الشعور بأي تعب في جسدي، أقول لنفسي: هذه أعراض الموت، وطوال الوقت أفسر كل الكلام والأفعال على أنني اقتربت من الموت، وقد قال لي بعض الناس: إنني أعاني من سحر، وليس مرضًا نفسيًا.

آسفة على الإطالة، وأرجو توضيح التشخيص المحتمل لحالتي، لأنني فقدت طعم الحياة، وأرجو توضيحًا أكثر بشأن رؤيتي لجدي المتوفى، هل هي مجرد تهيؤات، أم أنها من الشيطان، أم من السحر، أم ماذا؟ لأن هذا الأمر يتعبني جدًّا.

شكرًا، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن حالتك -كما تفضلت وذكرت- بدأت قبل شهرين، وكانت حالة غريبة وشديدة، وأتاك الشعور بحضور أو بقرب الموت، وكان الخوف مسيطرًا عليك، مع ضيق في التنفس وتسارع في ضربات القلب، وهذه الحالة معروفة في الطب النفسي، ونسميها بنوبات الهلع أو نوبات الهرع، والبعض يسميها بالاضطراب الفزعي، وهو نوع من القلق النفسي الشديد، أتفق معك أن الحالة مزعجة، ولكن أؤكد لك أنها ليست خطيرة، وهذا الذي أوضحناه لك مهم جدّاً، وأعتقد أنه سوف يغنيك عن كثير من الأسئلة المحيرة؛ لأن هذا النوع من القلق إذا لم يوضح لصاحبه، سيؤدي إلى الكثير جدّاً من الوساوس النفسية والقلق.

هذه الحالة تأتي في شكل نوبات تزيد وتقل، وبصورة عامة بعض الناس يحدث له القلق التوقعي، أي أنه يتوقع نوبات القلق في المستقبل، وهذا أيضًا يسبب له الكثير من الإزعاج ونوبات الوساوس، إذًا الحالة بسيطة وواضحة جدًّا.

أمَّا بالنسبة للأحلام: فالأحلام كثيرًا ما تكون مرتبطة بالقلق النفسي، فهي ناتجة من القلق النفسي، ولا شك في ذلك، ونحن نقول: إن الأحلام من الشيطان، والرؤى من الرحمن، ورؤيتك لجدك المتوفى في هيئته الكاملة، قد تعكس مدى ارتباطك العاطفي العميق به، وربما تُشير إلى مشاعر الحزن التي لم تعبّري عنها بشكل كافٍ في وقت وفاته، وهذا لا يدعو للقلق، بل يدل على وجود رابطة وجدانية قوية بينك وبين جدك، وهذا أمر طبيعي ومحمود.

ما أرجوه منك هو أن تُكثري من الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وألَّا تنشغلي بتأويلات مقلقة، كأن تظني أن في الحلم شيئًا من الشيطان، أو نوعًا من السحر؛ فالأمر في الغالب نابع من حالة نفسية، أو شعور داخلي بالحزن أو القلق.

تذكّري أن تفسير الأحلام علم دقيق ومعقد، وقد أرشدتنا السنة النبوية إلى أفضل طريقة للتعامل مع ما نراه في المنام:
- أولاً: لا تُحدّثي أحدًا بالحلم، إلا إذا كان موضع ثقة وعلم.
- ثانيًا: رددي الدعاء المأثور: "اللهم إني أسألك خير هذه الرؤيا، وأعوذ بك من شرها"، ثم انفثي على الجانب الأيسر ثلاث مرات، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، فهو لا يريد إلا أن يُحزن قلب المؤمن، ولن يضرّك شيء بإذن الله.
- ثالثًا: احرصي على أذكار النوم، وأكثري من الاستغفار، وتوكلي على الله، فبه تطمئن القلوب، وبه يُدفع كل شر.

نصيحتي الأخرى لك: هي أن تمارسي الرياضة، ولا تتناولي الشاي والقهوة، وغيرها من المشروبات التي تحتوي على الكافيين، بعد الساعة السادسة مساءً، وتناولي وجبة العشاء في وقت مبكر، تكون خفيفة ويكون الهضم قد اكتمل؛ لأن الأكل المتأخر ليلاً يؤدي أيضاً إلى أحلام مزعجة.

بالنسبة لحالة الرهاب التي تعانين منها، فإن مجرد إدراكك لطبيعة هذه الحالة، يُعد خطوة مهمة في طريق التعافي، وهذا الوعي بحد ذاته سيساعدك كثيرًا، وأنصحك بعدم التركيز المفرط على الأعراض، ومحاولة تجاهلها قدر الإمكان، فهذا من أنجح الأساليب السلوكية في التعامل مع القلق والرهاب.

أمَّا من ناحية العلاج الدوائي، فقد ذكرتِ أن طبيبًا وصف لك دواءً، لكنك لم تذكري اسمه، وبما أن حالتك تتماشى مع حالات القلق والرهاب الشائعة، فإن من الأدوية الفعّالة والمناسبة دواء يُعرف تجاريًا باسم (سيبرالكس، Cipralex)، ويُعرف علميًا باسم (استالوبرام، Escitalopram) أنصحك بتناوله وفقًا للتالي:
- الأسبوع الأول إلى العاشر: ابدئي بجرعة 5 ملغ (نصف حبة من تركيز 10 ملغ) يوميًا لمدة عشرة أيام.
- بعد 10 أيام ارفعي الجرعة إلى 10 ملغ (حبة كاملة) يوميًا، واستمرّي عليها لمدة ستة أشهر.
- بعد مرور 6 أشهر، خفّضي الجرعة إلى 5 ملغ يوميًا، لمدة شهر واحد.
- ثم تناولي 5 ملغ يومًا بعد يوم لمدة عشرة أيام، ثم توقفي عن الدواء تمامًا.

يرجى الالتزام بالجرعة والمتابعة مع الطبيب بشكل دوري، لمراقبة التحسّن وتجنب أي آثار جانبية، وتذكّري أن العلاج الدوائي وحده لا يكفي، فالموازنة بين العلاج السلوكي والدعم النفسي ضرورية، لتحقيق أفضل النتائج، إذًا، هذه هي حالتك، وقد أوضحنا لك طبيعتها، وسبل التعامل معها، والعلاج المناسب لها، وأؤكد لك أن الدواء المقترح آمن وفعّال -بإذن الله-.

إلى جانب العلاج الدوائي، فإن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، ستساعدك كثيرًا في تحسين حالتك النفسية والجسدية، وإذا كنتِ لا تزالين في المرحلة الدراسية أو تعملين، فحاولي أن تركّزي على أهدافك، وتمنحي حياتك معنًى وقيمة، واحرصي على بناء علاقات اجتماعية صحية، وكوني على تواصل مع من يضيفون إلى حياتك دعمًا وطمأنينة.

لا تنسي الجانب الروحي، فهو ركيزة أساسية في التوازن النفسي، حافظي على صلواتك في وقتها، وداومي على تلاوة القرآن الكريم، وأكثري من الدعاء والذكر، فهذه كلها مصادر عون عظيمة في الدنيا والآخرة، بإذن الله.

نشكرك على تواصلك معنا عبر استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك الشفاء والطمأنينة والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً