الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأثير الاضطراب الفزعي على الحياة وكيفية علاجه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب أبلغ من العمر 32 سنة، أعيش مع عائلتي في جو هادئ نسبياً.

لدي مشكل نفسي جعل حياتي متوقفة، وسأحاول أن أسرد عليكم أهم المراحل التي مررت بها لتتمكنوا من تشخيص حالتي بطريقة واضحة.

في طفولتي تعرضت للكثير من الضغوط النفسية أهمها العنف الجسدي القاسي في البيت من طرف أخي الأكبر، بالإضافة إلى معاناتي في المدرسة من العنف النفسي بسبب اختلافي العرقي عن بقية التلاميذ.

لكني تعايشت مع الأمر في تلك المرحلة، ولم تبدأ المشاكل النفسية في الظهور إلا في فترة المراهقة وما بعدها، وبدأت على شكل خجل وفقدان الثقة بالنفس والميل إلى الانطواء وكآبة؛ ما دفعني إلى مغادرة الدراسة والتدخين، وتعاطي بعض المخدرات لمدة سنتين تقريباً، تم أقلعت عنها بعد أن اقتنعت بأنها أصبحت تشكل عليَّ عبئاً نفسياً إضافياً.

وفي صباح أحد الأيام استيقظت كالعادة للذهاب للدراسة في أحد المعاهد، ولكن فجأة وبدون مقدمات أحسست كأن الدنيا أظلمت في عيني، كأني أحلم بكل ما يدور حولي، ودقات قلبي تتسارع مع هلع داخلي فظيع، وفي الليل لا أنام إلا بصعوبة، وبدأت أعاني في صمت، وكنت أحاول أن لا أظهر أي شيء لأحد ما عدا والدتي أخبرتها بما أعانيه، وكانت بدورها لا تعلم شيئاً عن الأمراض النفسية، ونصحتني بأن أسلم أمري لله وأن أصلي وأدعو.

المهم زرت بعض الفقهاء، ولم أزر أي طبيب، ولم أتناول أي أدوية، وبقيت هذه الحالة لمدة عام تقريباً مرت علي كأنها مئة عام، ومع مرور الأيام بدأت تخف في حدتها تدريجياً، فزال الخوف الداخلي، وزالت تلك الحالة السوداوية، لكن ما يلازمني إلى اليوم هو الشعور بالانزعاج الداخلي، وبالملل والإحباط والميل إلى الوحدة، وعدم الرغبة في كثرة الكلام، وبعض المشاكل في الذاكرة، وصعوبة في التركيز واتخاذ القرارات، وأصبحت أسهر إلى وقت متأخر من الليل، ولا أستيقظ في الصباح مع صعوبة في بداية النوم، والتعب بعد الاستيقاظ.

وكل هذه الأعراض تختلف في حدتها حسب الظروف، فحين أكون في الوضع الذي اعتدته مع الناس الذين أرتاح إليهم، وطريقة النوم المعتادة، تكون هذه الأعراض خفيفة جداً، ولكن حين اضطر إلى مواجهة مواقف معينة، أو العمل طويل الأمد، أو الالتزام بنظام مخالف لما اعتدته، أو السفر، أو أي شيء يجعل تفكيري منشغلاً؛ يسيطر علي الشعور بالتوتر وعدم القدرة على التركيز، وعدم القدرة على النوم بسهولة؛ ما يجعلني أدخن بشراهة، وأحس بحزن وأكره كل شيء.

وفي بعض الحالات التي يكون فيها التوتر قوياً أحس كأني أعود إلى الحالة الأولى، كأني أحلم وصدري يضيق، ما يجعلني أضطر إلى ترك كل شيء، أو الإسراع في إنجاز العمل في أقصر وقت للعودة إلى روتيني العادي الذي يمنحني بعض الراحة النفسية.

وهذه الدوامة جعلت حياتي متوقفة ورهينة بوضع معين، ما يجعلني غير راض عن نفسي، وهذا يدفعني أحياناً للتفكير في أن الموت هو الخلاص من هذا الوضع، فأنا أطمح للعيش بطريقة عادية؛ لكني أحس أني مكبل.

أريد أن أعرف: ما هي حالتي؟ وهل لها علاج؟

أرجوك يا دكتور؛ ساعدني جزاك الله خير الجزاء، وجعل الله هذا العمل في ميزان حسناتك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد سردتَ حالتك بصورة واضحة وتفصيلية تسهل علينا إن شاء الله أمر تشخيص الحالة، والنوبات التي أتتك في بداية الأمر هي نوبة نسميها بالاضطراب الفزعي، وبعد ذلك أصبحت عرضة لنوبات من المخاوف، وهذه كلها تندرج تحت القلق، وبعد ذلك حدث لك ما يمكن أن نسميه بالقلق التوقعي، والذي أدى إلى عسر من المزاج، وهذه درجة بسيطة من الاكتئاب النفسي.

التشخيص النهائي لحالتك هو أنك تعاني من قلق المخاوف، مع اكتئاب ثانوي من النوع البسيط، وليس أكثر من هذا -أيها الفاضل الكريم-، والبعض قد يسمي هذه الحالات بـ(القلق الاكتئابي المختلط).

عموماً أيّاً كانت التسمية فالحالة بسيطة، وبسيطة جدّاً، وليس هناك سبب يجعلك مكبَّلاً لهذه الأفكار التي تجعلك تفكر في الموت للخلاص من هذا الوضع الذي أنت فيه، هذه طاقات نفسية، وهذه الطاقات النفسية تحولت إلى طاقات سلبية، ويمكن أن توظفها لتكون طاقات إيجابية؛ لأن القلق يمكن أن يوظف ليصبح إيجابياً.

هناك عدة طرق لذلك:
1- أولاً ضع صورة إيجابية عن نفسك، فكر في إمكانياتك الكثيرة، إمكانياتك النفسية والجسدية والاجتماعية.

2- حاول أن تضع أهدافاً في الحياة، وأن تضع الآليات المعقولة التي تصلك لهذه الأهداف.

3- دائماً عليك أن تسعى لأن تدير وقتك إدارة صحيحة.

4- لا بد أن تمارس الرياضة؛ لأن الرياضة تمتص طاقات الغضب والقلق والخوف والاكتئاب، فاجعل لنفسك نصيباً ثابتاً من الرياضة.

5- عليك بالرفقة الطيبة والقدوة الحسنة، وتواصل اجتماعياً، ووسع من شبكتك الاجتماعية، واجعل دائرتك الاجتماعية نشطة ومتسعة: انضم للأنشطة الثقافية والاجتماعية، واحضر حلقات التلاوة، وزر أرحامك وتواصل مع أصدقائك.

هذه كلها دوافع نفسية إيجابية جدّاً، فأرجو أن تستفيد منها، وأن تعطيها قيمتها العلاجية السلوكية.

الجزء الآخر في العلاج: هو العلاج الدوائي، وأقول لك وأنا مستبشر: إن حالتك أيضاً سوف تستجيب استجابة كبيرة للعلاج الدوائي؛ لأن العلماء قد توصلوا إلى أن المخاوف والقلق والوساوس وحتى الاكتئاب، من مسبباتها أو من عوامل استمراريتها هو وجود التغير الكيميائي، وافتقاد ما يمكن أن نسميه بالتوازن البيولوجي في بعض أماكن الدماغ، وأكثر المواد التي دارت حولها البحوث مادة تسمى بالسيروتونين، وجد أنها كموصل عصبي أساسي يضعف إفرازها - أو لا ينتظم - لأن المستقبلات العصبية في خلايا الدماغ ولسبب غير معروف تصاب بحالة من التجمد والتبلد وعدم الاستجابة، لذا وجدت -وبفضل الله تعالى- الأدوية التي تحسن استجابة واستشعار هذه الموصلات العصبية لتقوم بدورها، ومن أفضل الأدوية التي تساعد في علاج حالتك دواء يعرف تجارياً باسم (سبرالكس Cipralex)، ويعرف علمياً باسم (استالوبرام Escitalopram).

هو بفضل الله متوفر في معظم البلدان، والدواء غير إدماني وغير تعودي، ومستوى السلامة فيه عالية، فأرجو أن تحصل عليه وأن تبدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرامات، تناولها يومياً، يفضل أن تتناولها مساءً، واستمر على هذه الجرعة وبانتظام لمدة شهرين.

ثم بعد ذلك أريدك أن تنتقل إلى ما نعتبره الجرعة العلاجية، وهي عشرون مليجرام يومياً، والتي يجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى عشرة مليجرامات ليلاً لمدة ستة أشهر أخرى، وبعد ذلك خفض الجرعة إلى خمسة مليجرامات يومياً لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أخي الكريم: هذه الاختلافات والتقسيمات في الجرعة قُصد منها أن نتبع المنهج العلمي، والذي يُحتم أن تكون لجرعة الدواء بداية ثم بعد ذلك الجرعة العلاجية، ثم الجرعة الوقائية، أو ما يمكن أن نسميه بجرعة الاستمرارية، ثم بعد ذلك التوقف التدرجي عن الدواء.

وختاماً: أود أن أشكرك كثيراً على رسالتك الطيبة هذه، وأرجو أن تكون أكثر ثقة في نفسك، وأن تبني صورة إيجابية عن ذاتك، وتتخلص من هذه الأفكار السلبية المشوّهة.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً